بقلم: د. أمل بنت سعيد الشنفري

إن اتصال النفس البشرية بالخالق جل في علاه، يملؤها بالطاقة الإيجابية التي تنتج عن نقاء الروح وصفاء القلب.. فينعكس نور الإيمان على روح الإنسان وجسده معاً، ويمتد أثره على حياته بصفة عامة، وبالتالي تتلاشى تأثيرات المشاعر السلبية كالحزن والخوف وعدم الشعور بالطمأنينة، والتي تترك على الإنسان البعيد عن خالقه سبحانه وتعالى  ندوبا غائرة كالأمراض النفسية والعضوية المختلفة.

 فمبدع هذا الكون الذي أوجد كل شيء بما فيها المخلوقات هو الخبير بها، وبما يصب في صالحها، وبالمواقيت المعينة التي تناسبها.

وما العبادات والتشريعات التي فرضها الله على الإنسان إلا لوقايته من الأمراض النفسية والعضوية، والعناية بروحه وجسده معا، فالله سبحانه وتعالى لم يفرض هذه العبادات ليرهق بها عباده إنما ليسعدوا بها روحاً وجسداً، وقد قال تعالى في سورة “طه” : “مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ (6)”.

فالله هو الرحمن الرحيم، اللطيف بعباده والخبير بهم وبأحوالهم، فكل عبادة فرضها وأنزلها في دستوره الحكيم ما هي إلا لصلاح الإنسان وفلاحه في الدار الدنيا وفي الآخرة.

ومن أعظم العبادات التي فرضها الله على عباده المسلمين، عباده الحج لمن إستطاع إليه سبيلا، حيث نعيش هذه الأيام في الأجواء العظيمة والأيام المباركة لهذه الفريضة التي يجتمع فيها المسلمون من كافة بقاع الأرض، ومن مختلف أطيافهم وأجناسهم وأعراقهم، منصهرين في بقعة واحدة، تلهج ألسنتهم بكلمة التوحيد ينطقونها معاً وبصوت واحد: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك”.

فهل هناك إلتئام ووحدة عرفها العالم بين البشر أكبر من هذه اللحمة الإيمانية العظيمة؟ والتي ينقي فيها الإنسان نفسه من كل الشوائب مطيعا لنداء ربه عز وجل في بيته العتيق فيخرج منه مطهرا نقيا كيوم ولدته أمه.

فعندما يتجرد الإنسان من كل متاع الدنيا وزينتها الزائلة، ويتركها وراءه متلهفاً للقاء الخالق لا يشغله عن ذلك شيء، تسمو روحه وتترفع نفسه عن الصغائر، ليحيا بطمأنينة نفس وصفاء قلب، وليتفرغ لتحقيق أهدافه الحقيقية من هذه الحياة دون أن يعكر صفوها توافه الأمور وصغائرها.

لذا..فإن كل من أراد أن يُؤدي فريضة الحج كما يجب أن تكون، مطالب أولا بأن يتعرف على فلسفتها السامية التي تتخطى المناسك والحركات الجسدية، والاستمتاع بروحانيات هذه العبادة العظيمة، حتى يتحصل على آثارها الجليلة، ولينعم بحياة يملؤها الإيمان والأمل بالله في كل ما يقول ويعمل، وليكون الحج لبيت الله الحرام شعلة نور وهداية تتقد بها الروح وتجدد صلتها بخالقها.

فلا معنى لكل الطموحات والأحلام ما دامت لا تستند على تقوى الله والصلة الوثيقة به عز وجل..فمثلما يقصد الحاج الكعبة المشرفة ويطوف بها كمحور أساسي لحجه، يجب أن تكون أعمالنا في هذه الدنيا محورها ومقصدها رب الكون، حتى نصل لأقصى عطائنا في هذه الحياة.

FacebooktwittermailFacebooktwittermail

اترك تعليقاً

Post Navigation