بقلم: د. أمل سعيد الشنفري

ليس هناك إنسان على وجه البسيطة يعيش بلا مشكلات أو تحديات، أو لم يتعرض لإحباطات، أو لم تداهمه أمواج الحياة العاتية وصروف الزمان القاسية. حتى الأنبياء والرسُل لاقوا الكثير من المشاق في حياتهم، وتحملوا من الأهوال ما تنوء به الجبال.

 هذه هي الدنيا..دار اختبار وليست دار قرار.. ولهذا نجد أن الأنبياء رغم كل التحديات التي واجهتهم كانوا مستبشرين ثابتين..ولم يفقدوا الأمل ولو للحظة واحدة برب العالمين..ولم يعاتبوه – سبحانه وتعالى – على ما أصابهم من ابتلاءات، فهم أحبابه..ولو شاء أن يجعلهم أسعد الناس لفعل، ولكنهم تقبلوا كل الآلام والمتاعب بقلوب مطمئنة، وعقيدة راسخة.

قول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39))، (سورة عبس)،  وقد كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، باسم المحيا لا يتخلى عن بشاشته، وإن قست الأيام وتراكمت عليه الهموم والأحزان، فكان عليه الصلاة والسلام يحيا بالإبتسامة، مستبشرا وإن كشر عن أنيابه الزمان،  فالإبتسامة كانت له علامة وعنوان.

ولكن في أيامنا هذه، عندما يغيب الرضا الداخلي بما قسم الله للإنسان منا، تصبح السعادة بعيدة المنال،  ويصبح محيطنا كما نراه الآن مليئا بالوجوه المكفهرة العابسة والمتذمرة دائما من قسوة الدنيا وظلمها.

ويتناسى الناس – إلا من رحم ربي – تلك النعم الكثيرة التي أفاء الله بها علينا، وإن كنا نراها صغيرة، فهي عند غيرنا كبيرة، فنعمة الصحة يتمناها المريض، ونعمة الأبناء يتمناها العقيم، ونعمة الأمن والأمان يتمناها من عانى الحروب وويلاتها، وغيرها من النعم الكثير والكثير.

والرضا لا يعني عدم الطموح، ولكن يعني السعي والمثابرة مع رضا النفس وقناعتها بأن الفرج قادم لا محالة، وأن تحقيق الأحلام هو ثمرة كل عمل جاد، فالسعي ونحن مستبشرين فرحين بنعم رب العالمين، عاقدين العزم على تحقيق الآمال والطموحات، واثقين من رحمة رب العباد، يذلل كل الصعاب ويخفف الأحزان والآلام، لنصل إلى ما نصبوا إليه ونتمناه في هذه الحياة، مهما طال المشوار وتعثرت خطانا ونحن نخوض غمارها.

 إن إستشعار جمال الخلق وإبداع الخالق في كونه بكل تفاصيله، على أن يكون العطاء بحب هو منهجنا ودستورنا، حتما سيجعل السعادة تملأ سرائرنا، وتزهر خمائلنا زنبقا ورياحين، يفوح عبقها  معطراً سماء حياتنا وحياة كل من حولنا.  

 لقد تلاشى السعداء بيننا أو كادوا، لأننا جعلنا سعادتنا رهينة أمور خارجية لا سيطرة لنا عليها، فإن لم تتحقق هذه الأمور أصابنا الإحباط والحزن، لنفقد بذلك لذة الإحساس بكل شيء جميل حولنا، ولتنساب من بين أصابعنا أوقات ثمينة من أعمارنا يخطفها الزمان دون عودة، وتضيع من بين أيدينا لذة عيشها كما كان ينبغي.

إن التعلق بكل ما هو زائل من أشياء أو بشر، أو أن نشترط وجود إحساسنا بالسعادة بحيثيات ليست داخل نطاق سيطرتنا، فهذه السعادة حتما ستكون مبتورة، ومؤقتة، لأنه لا شيء سيدوم غير وجه الله سبحانه وتعالى، كما أن إحتياجات البشر ليس لها نهاية.

 في الحياة أمور هامة لا تشتريها خزائن الأرض جميعاً، فقد يكفينا لنكون سعداء أننا مازلنا  أحياء نعيش ونتنفس فوق سطح الأرض، فهناك من أصبحوا تراباً ونسياً منسيا في باطنها، ونحن مازلنا نرى أحبتنا من حولنا.. نتبادل معهم أجمل الذكريات، بينما حرم الآخرون من أحبابهم وأضناهم الشوق للقاء بهم، وحتى مجرد التمتع بحواسنا وكل جوارحنا يعد نعمة كبيرة لا تقدر بثمن بينما هناك من حرموا من هذه النعم .

 ولكي تغمر السعادة حياتنا مهما غلّفت أيامنا التحديات وعصفت بها الآلام، فعلينا أن نتخذ من البذل والعطاء وإلاحساس بالآخرين منهجاً لنا، والرضا بقسمة رب العالمين نبراساً، والشكر والثناء على كل ما قدّر وأعطى شمعة تضئ طريق دروبنا، فقد قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)) (سورة إبراهيم)، فالله عنده خزائن الأرض و السماء، ولن يضيره أن يغني البشر جميعا إن أراد ذلك، ولكنه قسم الأرزاق لحكمة لديّه سبحانه علاّم الغيوب.

فلا يجب أن نقف طويلاً في محطات الحياة، فقطارها سريع لا يحتمل الإنتظار، ولذلك لا يجب ان نؤجلها أو نعلقها من أجل أحد أو شيء، ولنكون دائمي السعادة علينا بالبحث عن سعادة الروح قبل سعادة الجسد، ستجدها حتما في ضحكة بريئة لطفل، أو في معاونتك لكبير في السن، فاجعل الحياة لحنا جميلا ومعزوفة خالدة في شكر الله وحمده، فهو الذي أحياك ونشر الجمال في كونه، ولا تغمض عينيك وتترك نفسك لعجلة الحياة تدور بك كيفما تشاء، دون تدبر وتفكر وتمعن ودون الإستمتاع بها كما ينبغي.  

فليس كل من سكن قصراً عاش سعيداً.. وليس كل من توسد السماء في كوخه البسيط بات حزينا.

FacebooktwittermailFacebooktwittermail

اترك تعليقاً

Post Navigation