بقلم: د. أمل بنت سعيد الشنفري
ما من إنسان على وجه البسيطة لم تعترضه الصعاب وهزت كيانه الآلام، وتحطمت فوق صخور اليأس أحلامه ولطمته أمواج الحياة العاتية بين طيات الأحزان..ولكن مقابل ذلك منح الله سبحانه وتعالى الإنسان سلاحا يقاوم به كل ما يعترضه من عقبات وطيها في ذاكرة الزمان كأنها لم تكن في يوم من الأيام.
إنها نعمة النسيان والقدرة على التسامح ليضع بهما أوزاره، ويستطيع أن يستمر في سعيه في هذه الحياة، ويستعيد الأمل بتحقيق أحلامه وطموحاته، فكما قال الشاعر الطغراني:
أعلل نفسي بالأمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
فنعمة “النسيان والقدرة على التسامح” تخلص الإنسان من براثن أحزانه وتعينه على تحمل آلامه وتبعث فيه الأمل من جديد لينطلق في الحياة محلقا بين أجنحتها متسلحا بتجاربه التي علمته إياها الحياة.
ولكن بعض البشر يقاومون “نعمة النسيان”، ويأبون على أنفسهم شق طريق الحياة دون حمل أعباء الماضي من هموم وأحزان على كاهلهم، فيفسدون بذلك بقية أيامهم في هذه الحياة، وليغادروها وقد ملأتهم الحسرة والمرارة، فهؤلاء تشبثوا بالشوائب وتناسوا النعم وأبوا أن يترفعوا عن الصغائر.
إن كل من أراد خوض غمار الحياة ليخرج منها منتصرا بأحلامه، عليه ان يتسلح بنعمة النسيان، ويتناسى كل همومه وأحزانه، ويترفع عن صغائر الأمور والأحقاد ليس من أجل الأخرين وإنما من أجل نفسه أولا..
وقد قال أيضاً الشاعرالطغراني في ذلك:
غالي بنفسي عرفاني بقيمتها
فصنتها عن رخيص القدر مبتذل
فبالتسامح تسمو النفس وترتقي وتزيح عنها شوائب الماضي العالقة من صدمات الحياة، وتترفع عن صغائر الدنيا وترتقي لعظائمها. ولكن التسامح مع الماضي وطي صفحته ليس أيضاً بالأمر اليسير، ويتطلب إرادة وعزيمة وإصرار وإيمان وثقة بالله، فآلام الماضي قد تفقدنا ثقتنا بمن حولنا.. وتترك ندبات في أرواحنا وأجسادنا، فكما قال العالم لويس سميدس (Lewis B. Smeeds): (إن التسامح لمن يذنب في حقنا من أصعب الأمور في حياتنا، وقد يأخذ ذلك منا وقتاً طويلاً، ولكنه الطريقة السليمة).
وقد جاء جميع الأنبياء والرسل برسالة المحبة والصفح والتسامح..وكانوا أعظم من تحلى بهذه الأخلاق وتوشح بها ليضربوا للبشرية أروع الأمثلة، وينيروا دروب الإنسانية بدروس عظيمة في الترفع عن صغائر الأمور، ولتصبح الثريا هي المنال..وتتوارى الأحقاد والضغائن بالثرى.
فكل عظيم إعتلى منبر الخلود إتخذ من التسامح نبراساً..والترفع بالنفس عن صغائر الأمور طريقا.





